الخدمات

قصة مُلهمة ترويها ناجية من المرض

عائشة التميمي : الكشف المبكر عن سرطان الثدي أنقذ حياتي

لديّ شغف شديد بفن المطبخ، فأنا خبيرة طهي واتيكيت وقد قمت بتأليف العديد من كتب الطبخ وقدّمت دروساً في فنون الطهي للسيدات، الأمر الذي ساهم في أن أكتسب قدراً من الشعبية، وأصبح عندي الآن ما يزيد عن 15 ألف متابع على “انستغرام”. وبفضل عائلتي الرائعة وما تفيض به عليّ من حب ودعم لا حدود له؛ يمكنني القول بكل ثقة أن الله قد أنعم عليّ بحياة تزخر بالسعادة والراحة والهناء.
كنت أحرص على زيارة دكتورة نسائية بشكل منتظم لإجراء الفحوصات الدورية. وعندما لاحظت الطبيبة بعض الكتل في ثديي الأيمن؛ أصبحت تقوم بإجراء تصوير شعاعي لكلا الثديين بشكل منتظم. وقد كان هذا الاختبار يُظهر دائماً أن كل شيء على ما يرام وأن كلا الثديين في حالة طبيعية ولا توجد أي علامات على الاصابة بالسرطان.
وفي أحد الأيام أخبرتني الدكتورة بأنهم قد لاحظوا كتلة صغيرة في ثديي الأيسر، وهوالثدي الذي لا يحمل مبدئياً أية علامات خارجية. وفي إطار أخذ الحيطة والحذر خشية أن يكون الأمر يحمل شيئاً من الخطر؛ قررت الدكتورة تحويلي إلى أخصائي جراحة والذي قام بدوره بإجراء فحص إضافي وتصوير بالرنين المغناطيسي.
استلمت تقرير”التصوير بالرنين المغناطيسي” يوم الثلاثاء وكان من المقرر زيارة الطبيب يوم الأربعاء لمعرفة النتيجة. ولكن صادف موعد ظهور النتيجة مع رحلة بصحبة أولادي كانت مقررة سلفاً. وقبل التوجّه للسفر، كانت تزورني إبنة أختي، وهي أيضاً طبيبة، وقامت بقراءة تقرير التصوير حيث كتب أن هناك حاجة إلى أخذ المزيد من العينات لفحصها، لكن لم تشأ أن تخيفني فنصحتني فقط بالتوجّه إلى الطبيب بمجرد وصولي إلى البلاد التي سافرنا إليها.
ما إن وصلنا ؛ ذهبت للقاء الطبيب، وعلى مدى يوم كامل قاموا بإجراء الفحوصات اللازمة وبأخذ العينات المطلوبة كما هو موضّح في التقرير الطبي للتصوير بالرنين المغناطيسي الذي أجريته في الدوحة . كان عليّ العودة بعد ثلاثة أيام من أجل النتيجة وفي تلك الأثناء كنت متفائلة جدا ولم يخطر في بالي أبدا بأنني سوف أكون مصابة بالمرض، حتّى أنني أذكر أنه عند وصولي إلى المستشفى في ذلك اليوم جاملتني الممرضة قائلة إنني أبدو مبتهجة وايجابية، وأنها تأمل أن كل شيء سوف يكون على ما يرام. ثمّ دخلت لرؤية الطبيب وعند خروجها تلقيت أكبر صدمة في حياتي؛ فقد أخبرتني بأن الورم في الثدي الأيسر هو ورم سرطاني.
وبالرغم من جميع الفحوصات والاجراءات الطبية التي خضعت لها؛ لم يكن هناك على الإطلاق ما يجعلني جاهزة لاستقبال هذا النبأ الصادم. فقد كان الكشف عن هذا الأمر مفزعاً بالنسبة لي ولعائلاتي في تلك الساعة التي أمضيتها في عيادة الطبيب. في الواقع لم أستوعب أي كلمة مما قاله الطبيب، وبدا لي الأمر وكأنني انتقلت فجأة إلى عالم خَرِب يكسوه الخوف والضغوط والقلق. وبدأت أغرق في كثير من الأفكار السلبية في مقدمتها أنني سوف أخضع للعلاج الكيميائي بما يترتب على ذلك من ألم وفقدان للشعر، وكذلك احتمالية أن تُتوّج رحلة علاجي بالفشل.
فجأة هكذا دون مقدمات تبدّل مزاجي وتغيّرت حالتي النفسية التي تشعّ بهجة وايجابية إلى إنسانة حزينة ومضطربة. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها الطبيب لكي يقدّر لي خياراتي سواء باستئصال الثدي أو الاكتفاء بالتخلص من الورم؛ أجبته ببساطة قائلة ” أنت الطبيب، وأعلم مني في هذا الأمر، فالقرار لك”.
وبعد أن قرر الطبيب إزالة الورم؛ خصعت لهذه الجراحة في مايو 2014 دون علاج مسبق. بعد ذلك عدت إلى الدوحة لأمضي الشهرين التاليين في حالة اكتئاب شديدة. بدأت أرتاح بعد أن قرر الأطباء خضوعي لعلاج اشعاعي بدلاً من العلاج الكيميائي.
تبخّر الكثير من خوفي وقلقي بعد تحويلي لأتلقى الرعاية الطبية على يد دكتورة متخصصة التي أوضحت لي من خلال اطلاعها الواسع ايجابيات وسلبيات العلاج الإشعاعي، كما أكدت لي أيضاً أن الدوحة من بين أفضل الأماكن في العالم في هذا العلاج، حيث أنها مجهزة جيداً بأحدث وسائل العلاج الاشعاعي. وقد تاكّد ذلك بالفعل على أرض الواقع؛ فبعد خضوعي لـ 33 جلسة علاجية مدة الواحدة ساعة ونصف من العلاج الاشعاعي يومياً (عدا عطلة نهاية الأسبوع) بدءاً من يوليو حتى منتصف أغسطس 2014؛ كانت سعادتي لا توصف عندما علمت أن نتيجة التصوير الشعاعي للثدي والتصوير بالرنين المغناطيسي أظهرت أنني خالية من أي كتل أو أورام سرطانية و ويرجع الفضل لله أولا وللطبيبة النسائية لانها نبهتني على ضرورة الفحص الروتيني والكشف المبكر.
أشعر بكثير من الامتنان والعرفان لأسرتي وأصدقائي الأعزاء وكل من وقف إلى جانبي طوال هذه المحنة. فقد تحلّوا جميعاً بالصبر وتفهموا تقلباني النفسية وانفعالاتي وتعاملوا معي بكل رفق وحب بدءاً من مرحلة التشخيص حتى انتهاء رحلة العلاج، وكذلك حرصهم على نقل حالتي للآخرين عبر انستغرام الذي استقبلت عبره الكثير من مشاعر الحب والدعم من المتابعين، فقد كانوا رائعين حقاً وتعايشوا معي تجربتي حتى وصولي إلى شاطئ العافية والشفاء.
أرى أن أهم الدروس المستفادة من هذه التجربة الصعبة؛ أنه قد أصبح لديّ فهم معمّق واطلاع واسع بقيمة وأهمية الفحص الوقائي للكشف عن سرطان الثدي.
ذلك لأنه من المحتمل لأي إمرأة، بغض النظر عن حالتها الصحية، أن تتفاجأ مثلما تفاجئت أناعندما علمت بأنني مصابة بالسرطان. وما أنقذ حياتي في الواقع هو خضوعي للاختبارات الطبية اللازمة والتي قادت إلى الكشف المبكر عن المرض ونجاح علاجه.
من هنا أود أن أدعو كل إمرأة بدءاً من عمر 45 الى 69 سنة أن تخضع للكشف  المبكر عن سرطان الثدي بصورة دورية. ليس هناك ما يدعوك للقلق أو الخوف من إجراء التصوير الشعاعي للثدي لأن معرفتك بأن لديك كتل أو أورام سرطانية في مرحلة مبكرة من شأنه تسهيل العلاج ومن ثم الشفاء من المرض، وهذا أفضل بكثير من معرفتك بالأمر في مرحلة متأخرة يكون معها العلاج أكثر صعوبة وتقل معه نسبة الشفاء.
إذا كنا بالفعل نحب أنفسنا وعائلاتنا؛ فإن الخضوع للفحص الوقائي للكشف عن سرطان الثدي أحد أفضل الطرق التي نُظهر لهم من خلالها أننا نعتني بصحتنا. وفي الوقت ذاته لا ننسى أن الحفاظ على الايجابية والتفاؤل والتمسّك بالأمل من أفضل العوامل التي تمكّننا من التغلّب على أصعب التحديات التي تواجهنا في حياتنا.

أخبرنا عن رأيك

انقر هنا لتفيدنا عن رأيك حول زيارتك لنا